رغم أن السنوات الثلاث الأولى من كلية الطب مليئة بالمواد و الاختبارات .. و الهم و الغم ..
و مليئة في ذات الوقت بالأحداث و المواقف ..
إلا أن طالب الطب منّا لا يشعر بالخوف و القلق _ حتى من أصغر الأشياء _ إلا حين يدخل المستشفى .. و يرى العجبَ العجاب !
][ فوبيا المستشفى ][
مؤخرًا .. دخلنا للمرة الأولى إلى المستشفى بصفتنا ( طلاب طب ) لا مرضى !
المستشفى عادةً تكون له رائحة مميزة .. تذكرنا دومًا بالمرض و القلق و الخوف .. إلا أننا هذه المرة لم نشم هذه الرائحة ..
دخلنا المستشفى مرتدين اللباس الموحد لطلبة كلية الطب ، فوقه معطفًا أبيضًا و سماعةً وضعناها باهتمامٍ بالغٍ على كتوفنا لتدل على أننا طلاب طب !
دخلنا المستشفى هذه المرة من دون آلامٍ تمنعنا من فحص المكان و التدقيق فيه باهتمام كما فعلنا هذه المرة ..
فقد تفحصنا بعيوننا كل الجدران ، و الممرات و الأبواب و الموظفين !
كنا نشعرُ أن عيون الجميع في بهو المستشفى تراقبنا / تلاحقنا ..
وكنا نظنُ أنهم الآن يتكلمون عنا .. و كنا نتخيلُ حديثهم وكأننا نسمعه " هذول طلاب الطب .. شوف شكثرهم .. الله يوفقهم " !
هذا المستشفى بالذات لم أدخله منذُ أن كنتُ صغيرًا .. حين كان أبي يصطحبني لزيارة جدتي المريضة .. و التي لا زالت مريضة !
كل ما أذكره عن هذا المستشفى أنه كبيرٌ جدًا .. و أنني يومها خِفتُ من الضياع فيه عندما منعني رجلُ الأمن من الدخول حين صرخ : " ممنوع دخول الأطفال " !

لكننا اليوم دخلنا إلى أقسام التنويم بالمستشفى .. و في غير أوقات الزيارة .. و على مرأى و مسمعٍ من رجلِ الأمن !
كان شعورًا طفوليًا / عبثيًا بالانتصار أخيرًا !
دخلنا المصعد الكبير .. و تزاحمنا بداخله .. لم نكبس أيَ زر !
عيوننا كانت تحاور بعضها : " أي دور ؟ " !!
و بدأنا نخمن : " يمكن الدور الثاني ، لا يارجال .. أتوقع الثالث ، ياخي لا توهقنا ، خلونا نسأل " !
و بعد عددٍ من الاتصالات علمنا أن لقاءنا سيكون في الطابق الثالث .. تحديدًا في قسم الجراحة .. و بالتحديد في قسم الرجال !
الممراتُ ضيقة .. جدرانها مكسية بـ ( بلاطٍ ) أزرقٍ كئيب ..
في مستوى اليد و على طول الممرات هنالك خطٌ طويلٌ من البلاستيك ليتمسك به المرضى العاجزون عن المشي فرادى !
الأنوارُ خافتةٌ لدرجة الاكتئاب .. أنينُ بعض المرضى كان كافيًا لزيادة توترنا و خوفنا من المجهول الذي نسير إليه بأقدامنا !
لمحنا بعض الأصحاب في آخر الممر .. فكدنا نحضنهم من الفرحة ..
الخوفُ يكونُ أقلّ دائمًا حين يتشاركه الجميع ..!
بدأنا نسألُ بعضنا : " وش نسوي ؟ " !
لكن أحدًا منا لم يكن يملكُ الجواب .. فتشاركنا الحيرة .. و انتظار الدكتور المشرف !
بعد انتظارٍ طويلٍ جدًا امتد للساعة و النصف .. جاء الدكتور معلنًا أن " انتشروا " !
طلبَ من كل ثلاثة منّا أن يتوجهوا إلى أحد المرضى لأخذِ التاريخ المرضي الكامل منه ، و الذي نطلق عليه في الطب ( Full History ) ..
قال لنا هذه التعليمات .. و أدارَ ظهرهُ لنا .. فبدأنا بالحيرةِ من جديد !
اكتشفنا أننا نملكُ التصريح للاطلاع على كل السجلات الطبية .. و على لوحة الحالات المنومة بالقسم و اختيار أحدها ..
و أنه باستطاعتنا أن نصدرَ بعض الأوامرِ لطاقم التمريض ليحضروا لنا بعض الأجهزة التي نحتاج !
تفاءلنا كثيرًا بذلك .. و بدأنا نألفُ المكان !
الحالات الثلاث الأولى كانت ممتعةً للغاية ..
تدخل على المريض .. تسلم و تعرف بنفسك .. ثم تبدأ باستجوابه عن كل التفاصيل التي درسناها !
و هكذا هي كل الحالات .. ممتعة و تشعرُ فيها بـالرضا التام عن نفسك ..
لكن الحال لا يبقى على حاله .. فكل الارتياح و الاستمتاع ينقلبُ إلى خوفٍ و قلقٍ و توتر حين يأتي الدكتور ليناقش حالةً واحدةً معنا على المريض مباشرةً !
حينها .. تبدأُ مسرحيةُ التهزيء المتواصل من قبل الدكتور للطالب الذي يقدم الحالة .. على مرأى و مسمعٍ من المريض الذي كنا نسأله و نفحصه بكل ثقة قبل قليل !
و على الرغمِ من أننا ألفنا ( التهزيء ) الآن .. إلا أننا لازلنا نشعرُ بالخوف و القلق قبل تقديم أي حالةٍ أمام الدكتور ..!
سأحكي لكم لاحقًا بعض المواقفِ التي حصلت لنا مع المرضى ..
ألقاكم ..،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
إضافة تعليق ...