الثلاثاء، 8 فبراير 2011

يوميات دافور : خذ و هات !

من أكثر الأشياء التي يستشعرها طالب الطب في العالم بشكل عام و في العالم العربي بشكل خاص هي أن كلية الطب تلعب معه لعبة احترافية كتلك التي يقوم بها محترفوا كرة القدم ..
و التي تسمى لديهم بـ (( خذ و هات )) !


فعلى الرغم من أن كلية الطب تمنحك الكثير .. إلا أنها أيضًا تأخذ منك و من حياتك الكثير !

جميعنا _ طلاب الطب _ انتابتنا مشاعر فرح لا يمكن وصفها عندما تم قبولنا في كلية الطب .. على الرغم من تحذيرات بعض الذين سبقونا إلى الهلاك من أننا مقبلين على دخول جهنم !

إلا أننا رغم ذلك .. فرحنا و هللنا و باركنا لبعضنا هذا القبول .. لأنه ببساطة (( حلمٌ تحقق )) !

و بعد أربع سنواتٍ من دخولي لكلية الطب .. شعرت بما أخبرنا به أولئك الذين سبقونا إلى الهلاك و حاولوا تحذيرنا ..!
و مع ذلك .. فإنني لازلتُ سعيدًا .. و أصدقائي كذلك ..
ربما حتى أولئك الذين حذرونا لازالوا سعداء ..!

لأننا جميعًا و بكل بساطة .. خلقنا لندرس الطب .. و من الواضح جدًا أننا فاشلون بدرجة الإمتياز في التخصصات الأخرى المتاحة !


منحتني كلية الطب !

منحتني كلية الطب حرفًا زائداً يوضع قبل اسمي .. و على الرغم من أنه حرفٌ واحدٌ فقط .. إلا أنه يمنح اسمي المكون من أكثر من عشرة حروف بريقًا و لمعانًا لم أكن لأحصل عليهما من دونه !

لقد أصبحتُ ( د. عبدالله جاسم ) منذ اليوم الأول لي في الكلية !

منحتني كلية الطب ( برستيجًا ) اجتماعيًا لم أعهده من قبل .. 
فأصبحتُ أجلسُ في صدر المجلس .. و يُصغَى إليَّ باهتمامٍ كبير ..

مداخلاتي و نقاشاتي أصبحت محل احترام الكثير أكثر مما كانت عليه قبل دخولي للكلية .. و أكثر مماهي عليه لدى طلاب التخصصات الأخرى غير الطبية !
وجهات نظري لها من يتبناها و ينظّر لها .. و يدافع عنها بكل ما أوتي من قوة !

أصبحتُ تحت الضوء دائمًا .. !

تمنُحُ مجتماعتنا العربية طلاب الطب و الأطباء مكانةً أعلى من نظرائهم طلاب التخصصات الأخرى .. و هذه ميزةٌ يجب على طالب الطب أن يستغلها استغلالًا حسنًا حتى لا " ينقلب السحر على الساحر " ..!

فعلى الرغم من أن حسنة الطبيب تحسب لدى المجتمع بعشر أمثالها ..
إلا أن سيئته في الوقت ذاته تحسب بملايين أمثالها !

أخذت مني كلية الطب !

كلية الطب تأخذ من طلابها كل وقتهم ..

فبمجرد دخولك لبحر الكلية .. ستتوه في عرض البحر .. 
و ستتعلم السباحة بالإضطرار .. و ستجد نفسك بعد فترة .. مستمتعًا بهذا العذاب !

كلية الطب لم تُبقِ لي على أصحاب .. فكل رفاق الثانوية كوّنوا صداقات جديدة مع أشخاص يستطيعون الخروج و الجلوس معهم ..
و أصبحنا نكتفي بالسلام الحار و تذكر الأيام الخوالي عندما نلتقي في المناسبات ..

ستجد نفسك بعد فترة وحيدًا .. ليس لديك إلا صديقٌ واحدٌ أو اثنان .!
لن ترى هذا الصديق الوحيد إلا في الإجازات الرسمية .. أو في دقائق تسرقها من وقتك للقاءٍ سريع !

ستفوّت الكثير من المناسبات الاجتماعية ، و من السفرات الممتعة و الرحلات التي تحب ..
لأن كلية الطب و بكل بساطة .. تُشعرك بأهمية الجلوس في البيت حتى و إن كنت تفعل لاشيء !

سيزداد شعورك بالألم لتفويتك أي لحظة في متابعة مسلسل سخيف أو تصفح موقعٍ يهتمُ بكرة القدم !
ستصاب بضغطٍ هائل أيام الاختبارات .. لدرجةٍ تتمنى فيها لو أن الله يأخذ عمرك و ينهي معاناتك حالًا !!

و ستحسد بقية البشر على ضحكاتهم العالية و على تجمعاتهم الدائمة .. و على سرورهم الذي تتمنى الحصول عليه !

ستجدُ أنك مضطرٌ لتبرير أسباب (( اختفائك )) كلما قابلت أحدًا تعرفه أو لا تعرفه في المناسبات الاجتماعية التي لا مفر من حظورها ..
و ستبتسمُ ابتسامةً صفراء لكل من يصرخ بك و كأنه يصرف عليك : ( حراااام عليك .. ارحم نفسك ) ..
و ستبدأ باختلاق مزحات سخيفة للتخلص منه و من سؤاله الدائم عن وزنك المتزايد !

سترضى لاحقًا بحياتك التي يراها البعض ( بائسةً ) .. و ستؤمن أن الطب هو قدرك ..
و ستتأقلم مع فكرة أنك ستموت قبل اكتفائك من الدراسة .. و قبل أن تستمتع برحلةٍ كتلك التي يستمتعُ بها الآخرون ..
ستموت وحيدًا .. محترمًا و مقدرًا من الجميع !

هذا قدرك !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إضافة تعليق ...