الاثنين، 11 أبريل 2011

يوميات دافور : فوبيا ( أوّل مرة ) ! [2]

عندما كنا في سنتنا الأولى من كلية الطب ..
كنا نمشي في أزقة مبنى الكلية الجديد ..
نستكشفُ قاعات السنوات الدراسية المتقدمة .. و التي كانت مبنيةً على شكل ( مدرج ) .. بينما قاعاتنا كانت عبارة عن غرفة صغيرة جدًا .. ليس بها حتى نافذة !


كنا نلقي نظرةً على المعاملِ هنا .. و نظرةً على المكاتبِ هناك ..
لكننا ( جميعًا ) كنا نخاف من أن نلقي نظرةً على معملٍ كبير في آخر المبنى .. كُتبَ على بابه ( معملُ التشريح ) !




][ فوبيا أول تشريح ][ 

يظنُ طلبة السنة الأولى أنهم سيدخلون للكلية من الباب إلى المشرحة ..
و هكذا كنتُ أظنُ حينها ..


فقد روى لي بعض الأصحاب ( الشلاخين ) أنهم سمعوا ممن سمعوا منه أن فلانًا سقط مغشيًا عليه عندما فتحوا الجثة في المشرحة ..
أو أن فلانًا انسحب من كلية الطب لهول المناظر ( المقرفة ) التي كان يراها في المشرحة !


أمي كانت خائفةً علي من هول المناظر .. و لذلك أصدرت قرارًا في البيت يمنع الحديث عن التشريح حتى أدرسه ..
كي لا يؤثر أحدٌ عليَّ فأترك الطب !


درسنا الفصل الأول من سنتنا الأولى من دون تشريحٍ يذكر .. 
و كنا خلال هذا الفصل نمرُ بالمشرحة فنلقي نظرةً خاطفةً من الباب المفتوح دائمًا .. فلا ندخلها !


و حين بدأنا الفصل الثاني .. دخلنا إلى معمل الأحياء .. و أخبرنا دكتور المادة بجديةٍ كبيرة أننا سنشرّح أرنبًا في المعمل القادم ..
و طلب منا أن نحضر معنا أدواتِ التشريح الخاصة بنا !






كان شعورنا حينها مختلطًا .. 
شعرنا بالخوف لوهلة ..
و شعرنا بالفرح لوهلة .. فقد كبرنا و صار مسموحًا لنا أن نمارس الترشيح .. فنروي لأصحابنا قصةً بطوليةً من تأليفنا عن التشريح ..
و صار بإمكاننا أن نتحدثَ بطلاقةٍ عن الطب .. فنحنُ الآن مشرّحون !


دخلنا المعمل الموعود .. بكامل عدتنا و عتادنا ..
لبسنا القفازات .. و ارتدينا الكمامات .. و مسكنا المشارط و الملاقط ..
و بدأنا بتبادل أجهزة الجوالات كي نصور بعضنا صورًا تذكاريةً لأول تشريح !


كانت الأرضُ لا تسعنا حينها .. فـ أخيرًا التقطنا صورةً تدلُ على أننا أطباء ..
كمامة .. و قفازات ..
مشرطٌ و معطفٌ أبيض !




نادى الدكتورُ فينا أن استعدوا ..
و طلب من عمّال المعمل أن يحضروا الأرانب !


لاحظتُ وجوه بعض الأصدقاء حينها و قد اصفرت و احمرت !
و و بدى الارتباكُ واضحًا علينا جميعًا ..


توزعنا إلى مجموعات صغيرة .. لكل مجموعةٍ أرنبٌ مسكين ..
لم يشارك في التشريح يومها إلا ثلاثةٌ فقط من أصل عشرة طلاب .. 
فالبقية اكتفوا بالمشاهدة و الاشمئزاز !


شاركتُ يومها بالتشريح .. و أحببتُ اللعبة ..
ملقطٌ يسحبُ الجلد لأعلى .. و مقصٌ يفتح .. و طلبةٌ خائفون .. بينما تمثلُ أنت دورَ البطل !


شرحنا في السنة الأولى أرنبًا و فأرًا .. و كنا نظن أننا بلغنا من العلم مبلغًا !
حتى وصلنا إلى السنة الثانية .. و بدأنا بدراسة مادة التشريح !


دخلنا المشرحة منذ الأسبوع الأول ..
شرحَ لنا الدكتورُ يومها درسًا نظريًا لم نفهم منهُ شيئًا ..
فقد كان المنظرُ مرعبًا بالنسبةِ لنا و الجثثُ تحيط بنا من كل حدبٍ و صوب !


كان الدكتورُ يشرحُ لنا باهتمامٍ بالغ .. بينما نحن منشغلون بالنظرِ يمينًا و يسارًا ..
نتفحصُ المشرحة بحذر .. 






كانت المشرحةُ كبيرةً جدًا .. و مخيفةً جدًا ..
جدرانها بيضاء .. أرضيتها بيضاء .. معاطفنا بيضاء !
و كانت الجثثُ ممدةً على منصاتٍ معدنية .. و كانت موضوعةً داخل أكياسٍ بيضاء تشبهُ الكفن .. لها سحابٌ للفتح و الإغلاق !


و كانت المشرحةُ محاطةً بأرففٍ زجاجيةٍ مليئةٍ بأعضاءٍ بشريةٍ محنطة .. أو محفوظةٍ في مادةٍ سائلة ذات رائحةٍ كريهة .. أدمنّاها فيما بعد وعرفنا أنها تسمى ( الفورمالين ) .


كانت إحدى زوايا المشرحةِ مرعبةً أكثر من غيرها .. فقد وجدنا على رفوفها أرجلٍ مقطعة .. و أيادٍ مفصولةٍ عن الجسد ..
كانت زاويةً تشبه أفلام الرعب .. فهناك الجماجمُ و العظام بكثرة .. و الأعضاءُ البشريةُ بكثرة !


أنهى دكتورنا درسهُ النظري .. و أنهينا نحنُ فحصنا للمشرحة ..
و قبل أن نغادر المشرحة .. اقترحَ الدكتورُ أن يفتحَ لنا جثةً ليشرح لنا عليها ( عمليًا ) !
فرفضَ بعضنا بشدة .. و وافقَ البعضُ بشدة .. و امتنعَ الكثيرُ عن التصويت !


لكن القرار الأخير كان فتحُ الجثة .. و إلقاءُ نظرةٍ سريعة عليها .. مع شرحٍ بسيط ..
تحلقنا حول المنصة المعدنية .. 
كانت قطرات العرق واضحةً على جبين البعض .. و الرجفةُ على كفوف البعض !


فتحَ الدكتورُ سحّاب الكيس .. ليكشفَ لنا عن الجثة ..
كان رأسها ملفوفًا بشاشٍ أبيض .. و قد ساعدنا هذا كثيرًا على تقبل الوضع ..
فقد كنا نخافُ أكثر من مانخاف من أن نرى وجه الجثة !


شرحَ لنا الدكتورُ عمليًا على الجثة .. و لم نفهم شيئًا .. فالرعبُ سيطرَ على الجميع ..
جثةٌ حقيقيةٌ كاملةٌ أمامنا .. و الدكتورُ يقلّب في أمعائها باستسهال .. و كأنه عطارٌ يقلّب الأعشاب !


ومرّت الأيام .. و تعددت زياراتنا للمشرحة حتى ألفناها .. و تعودنا على رائحتها .. و جثثها .. و عمالها !
حتى وصلنا إلى مرحلةِ إحضارِ بعض المأكولاتِ الخفيفة لنأكلها في المشرحة قبل أن يبدأ الدرسُ الطويل !


ألقاكم ..،


و إنه لـ يتبع !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إضافة تعليق ...